ثقافة الزراعة الأحادية

 BY  & FILED UNDER GENERAL

  منذ بداية الثورة الصناعية، كان من السهل إلى حد ما أن تقع ضحية عقلية الزراعة الأحادية. إن الآلات الصناعية الكبيرة قدمت لنا السلطة والسيطرة؛ مما جعل حياتنا أسهل، ولكن أكثر تعقيدا؛ وقد أدى هذا بنا إلى اعتماد شامل للعقلية والنموذج الذي جعل عالمنا الحالي ممكناً وفعلياً.

لآلاف السنين، كنا نعيش حياة تعتمد على عناصر الطبيعة بشكل أساسي. حيث يمكن قضاء أشهر من العمل الشاق لزراعة المحاصيل التي كنا بحاجة لها للبقاء على قيد الحياة كما وكان من الممكن جداً تدمير تلك المحاصيل بضربة واحدة عن طريق الجفاف أو مشكلة الآفات التي لا يمكن السيطرة عليها. يمكن أن تؤدي عدوى بكتيرية بسيطة إلى الوفاة، كما أن الأوبئة كانت منتشرة بشكل كبير في الماضي.

عندما ظهرت الثورة الصناعية، بدأنا ندرك أن هذا الضعف يمكن ازالته والسيطرة عليه من خلال الثقة في النموذج الذي وعد بالسيطرة على العالم الطبيعي وتوجيهه لخدمتنا نحن البشر. كل ما كان علينا أن نفعله هو الثقة بأن سادة رأس المال والثروة سوف تستمر في العثور على طرق لإبقائنا على طريق التقدم والنمو.

في حين أن الفوائد من هذه الثقافة بالكاد تم تقاسمها وتوزيعها بشكل عادل، فإن الغالبية العظمى منا قد آمن بكل إخلاص في نموذج النمو الصناعي الرأسمالي الذي وصل إلى كل ركن من أركان المعمورة. من وسط مدينة مانهاتن إلى أصغر القرى في ملاوي، فإن الكثيرين منا قد توصلوا إلى الاعتقاد بأن المسار الوحيد القابل للحياة يكون من خلال تبني نظرة عالمية ونمط حياة نشأ في أوروبا، ووصل إلى أقوى مظاهره في الولايات المتحدة.

ويمكن اعتبار أن التوصل إلى الانترنت واختراع المضادات الحيوية والبنسلين وتزويد العالم بجوجل أدهش العالم وازداد الجميع اعجاباً بالحضارة الغريبة، ولكن ليس هذا كل شيء فالأضرار التي صاحبت كل هذه الابتكارات والاكتشافات كبيرة ولا حصر لها. إن النموذج الحضاري الغربي بطبيعته واسع النطاق وشامل للجميع. ونادرا جدا ما تتمتع المجتمعات والثقافات في جميع أنحاء العالم بحرية تقرير ما هي جوانب الحضارة الغربية التي ستدمج في أساليب حياتها وسبل عيشها. وأسرعها يكون من خلال فرض المعايير الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.

هيلينا نوربيرغ-هودج هي مؤلفة كتاب ” Ancient Futures ” الذي ينظر في كيفية فرض المعايير الأجنبية والغربية قد أثر سلبا على ثقافة وأسلوب حياة شعب لاداخ في آسيا الوسطى. يقول نوربيرغ-هودج، “تعكس الثقافة القديمة (لاداخ) الاحتياجات الإنسانية الأساسية مع احترام الحدود الطبيعية. وهي تعمل للطبيعة، وللناس معاً. ان العلاقات المختلفة التي تربط بين النظام التقليدي تعزز بعضها بعضاً، مما يشجع على الانسجام والاستقرار “.

وبينما بدأت الثقافة الغربية الأحادية تحل محل هذا النموذج الثقافي المتناغم الذي تم العمل عليه وإعادة صياغته على مدى آلاف السنين من الوجود المستمر في مكان واحد، تغيرت الثقافة الثقافية في لاداخ جذريا. من خلال الأدوات الرأسمالية الغربية، اصبح شعب لاداخ “أكثر ثراء”. ومع ذلك، فإن إدخال الاقتصاد النقدي جلب أيضا مجموعة من المشاكل الأخرى التي تزعزع استقرار المجتمع والنظام الإيكولوجي.~

إن العولمة الرأسمالية الصناعية تتطلب ولاءنا الكامل، ومع اقتناع المزيد والمزيد من الناس وإجبارهم على قبول هذا النموذج، فقد عالمنا ثراء التنوع المعرفي. إن عقلية الزراعة الأحادية سلبت منا آلاف الطرق المختلفة لرؤية وفهم العالم ومكاننا فيه.

وفقا للمؤلف الهندي فاندانا شيفا “انتقلنا من الحكمة إلى المعرفة، والآن نحن ننتقل من المعرفة إلى المعلومات، وأن المعلومات جزئية جدا ” فقدان ثقافتنا والتنوع الابستمولوجي للعقلية الغربية الأحادية الثقافة، يشكل تهديدا لاستمرار وجودنا كما هو الحال بالنسبة لتغير المناخ أو أي من الأخطار العديدة التي نواجهها بشكل جماعي.

الطريقة التي تزرع بها المحاصيل الغذائية اليوم

هذه العقلية الأحادية في الزراعة أكثر وضوحا في كيفية زراعة وانتاج الأطعمة. قبل ستين عاما فقط، أنتج صغار المزارعين في جميع أنحاء العالم آلاف المحاصيل المتنوعة من بذور الإرث التي سلمت على مر الأجيال. وقد تم تنفيذ الأساليب الزراعية التقليدية التي تسعى إلى الحفاظ على الخصوبة المستمرة للأماكن التي يعيشون فيها بعناية كبيرة.

وبينما تسببت موجات الجفاف والأمطار الغزيرة في حدوث المجاعات من وقت لآخر، كان الناس يتغذون بشكل جيد ويعيشون حياة كريمة. ومع أن سكان العالم بدأوا يزدادون هندسيا منذ حوالي 200 سنة مضت، بدأت الطبقة الرأسمالية / الصناعية المزدهرة في محاولة لإقناعنا بأن الطريقة الوحيدة لإطعام العالم هي الاعتماد على نظام زراعي يسعى إلى تعظيم الإنتاجية من خلال استخدام كميات هائلة من الأسمدة الاصطناعية ومبيدات الآفات.

في البداية، حققت الثورة الخضراء زيادة مفاجئة في الإنتاج الزراعي. وقد قابلت الحقول الخصبة التي رعتها أجيال من الممارسات الزراعية التقليدية إساءة استخدام المدخلات الاصطناعية التي توفرها الشركات الزراعية. وأدى تدفق المغذيات المضافة من خلال الأسمدة الكيماوية إلى زيادة الغلة. ومبيدات الأعشاب ومبيدات الآفات جعلت من السهل على صغار المزارعين السيطرة على الأعشاب الضارة والآفات التي كانت تسيطر عليها لعدة قرون يدوياً.

ولكن كل شيء لم يكن جيدا كما يبدو. ونظرا لأن صغار المزارعين بدأوا يعتمدون تماما على المدخلات والتكنولوجيات الجديدة التي توفرها الشركات الزراعية الضخمة، فإنهم يتخلون في الوقت ذاته عن الممارسات التقليدية التي تحافظ على خصوبة أراضيهم. وبدلا من تنويع المزارع من أجل الاستكفاء الذاتي والتوريد للأسواق المحلية، بدأت المزارع بالاعتماد على الزراعة الأحادية من المحاصيل التي يعتبرها سوق السلع العالمي مهمة جداً.

تشكل محاصيل الذرة وفول الصويا والقمح والأرز الآن الغالبية العظمى من المحاصيل المزروعة في جميع أنحاء العالم. إن زراعة هذه المزروعات الأحادية بسبب الأرباح فإنها تتطلب مساحات أكبر، فبدلا من الزراعة على مساحة 40 فدانا، تحتاج الآن 5000 فدان وآلات ضخمة مثل الجرارات. لقد فقدنا المعرفة والخبرة التقليدية كما فقدنا خصوبة الحقول. إن المزارع الصغيرة ذات الإنتاج المتنوع قد أعطت المجال لزراعة الأحاديات الضخمة للمحاصيل المعدلة وراثيا التي تزرع بمساعدة المواد الكيميائية الزراعية.

مخاطر الزراعة الأحادية

هناك مجموعة كاملة من المخاطر المرتبطة بالزراعة الأحادية. إن الحراثة السنوية للتربة للمحاصيل الغذائية قد أفسدت إلى حد كبير حياة التربة التي تجلب الخصوبة الطبيعية. وتوفر الأسمدة الاصطناعية القائمة على النفط الآن العناصر الغذائية الأساسية التي تحتاجها النباتات للنمو، على الرغم من أن نقص المغذيات الدقيقة المختلفة التي توفرها التربة السليمة أدى إلى نقص المحاصيل الغذائية. وعندما يصبح النفط أكثر ندرة، سنواجه بشكل جماعي التحدي المتمثل في كيفية توفير خصوبة للتربة المستنفدة من أجل إطعام سكاننا المتناميين.

الطبيعة ليس لها نظام زراعة أحادي. إذا نظرتم حول النظام البيئي الطبيعي، سوف تجد مجموعة متنوعة من النباتات المتنامية معا في مكان واحد. كل نبات يخدم وظيفة معينة في هذا النظام البيئي إلى جانب الفطريات والحشرات والحيوانات، وما إلى ذلك وهناك قدر أكبر من التنوع يسمح لمزيد من المرونة داخل النظام البيئي نفسه. هناك حكمة تقول لا تضع البيض الذي تجمعه كله في سلة مع تبني الزراعة الأحادية ، ليس فقط وضعنا كل بيضنا في سلة واحدة، ولكن نحن أيضا وضعنا السلة على حافة متطرفة جدا من جدول المياه وأي حركة غير متوقعة بالتأكيد سوف تسقط السلة.

إن تبني أنظمة ضد أنماط الطبيعة التي تدعم التنوع قد زاد من ضعفنا وعدم قدرتنا على السيطرة. تركيز نوع واحد من النباتات في نسب كبيرة تدعو الكوارث. في حين أن التنوع يسمح للحيوانات المفترسة الطبيعية للسيطرة على بعضها البعض، تسمح الزراعات الأحادية بانتشار الآفات والأوبئة المزعجة التي يمكن أن تدمر المحاصيل. وقد أصبحت الزراعة الصناعية هي “الحل”

على الرغم من أنه قد يريحنا أن نعتقد أن علماء الزراعة ناجحة في سعيهم للسيطرة على العالم الطبيعي، والواقع هو أن لكل مشكلة “حل”، هناك مشكلتين أخرى ظهروا. العالم الطبيعي ببساطة لا يتسامح مع الزراعة الأحادية، وسوف تفعل الطبيعة كل ما في وسعها لعكس العودة إلى التنوع.

الثقافة الزراعية الأحادية

بعد 60 عاما أو أكثر من الثورة الخضراء، أصبح من الواضح أكثر من أي وقت مضى أن وعود الوفرة والسيطرة على الطبيعة لا تفكك الطريقة التي كنا نأمل بها. التربة الآن أقل خصوبة، ومحاصيلنا أكثر عرضة من أي وقت مضى للآفات والمرض، وفقدنا عدد لا يحصى من المواد الوراثية. قد يعتقد المرء أن هذه المشاكل سوف تقودنا إلى البحث عن مسار جديد لكيفية زراعة طعامنا. ولكن عندما واجهنا ضعف متزايد، لسوء الحظ، كان ميلنا للتخلي والاستمرار في الاعتقاد أعمى في وعود الشركات الزراعية العملاقة التي تتحكم في الصناعات الغذائية والزراعية.

ومؤخرا، اندمجت مونسانتو وباير، وهما من أكبر الشركات الزراعية الكيماوية في العالم، في صفقة بقيمة 66 مليار دولار لتشكيل شركة ضخمة تسيطر بشكل فعال على جزء كبير من مستقبلنا الزراعي. وتشتهر مونسانتو بإنتاجها من البذور المعدلة وراثيا في حين أن باير متخصصة في المواد الكيميائية الزراعية بما في ذلك مبيدات الآفات ومبيدات الفطريات والأسمدة الاصطناعية. وسوف يسيطرون معا بشكل فعال على الصناعة الزراعية، ويواصلون من خلال جهودهم المبذولة في مجال الضغط للتأكد من استمرار السياسات الزراعية في زيادة عوائدهم المالية.

وبمجرد الانتهاء من عملية الاندماج، فإن ثلاث شركات فقط تمتلك 60٪ من البذور المباعة في جميع أنحاء العالم و 64٪ من جميع المبيدات. هل هو حقا فكرة آمنة وعاقلة أن يعهد مستقبلنا إلى شركة كان المقاول النازي (باير) أو شركة وكيل أورانج (مونسانتو)؟

ترجمة: هادية محيسن