الغابات الغذائية: الجزء 2 من 2

الجزء الأول للمقال هنا

هل الغابات الغذائية هي الحل؟

فيما يلي نستعرض عواقب محاولاتنا الفاشلة للتفوق على الطبيعة. كل ما قامت به الزراعة الحديثة هو خلق نظام غير متوازن من الزراعة الأحادية والذي يتم الحفاظ عليه من خلال حرب المواد الكيميائية التي لا هوادة فيها. وكان نتاج إخفاقاتنا أننا سممنا الطبيعة وأنفسنا بالمحصلة.

بدأ هذا في فترة ما بين 8500 و7000 قبل الميلاد عندما أنشأ البشر في منطقة الهلال الخصيب في الشرق الأوسط نهجاً يجمع ما بين تربية الحيوانات والنباتات وهو النظام الذي نسميه في الوقت الحاضر الزراعة.. واليوم وبعد مضي 10.000 سنة من الممارسة بالتأكيد يمكننا القيام بما هو أفضل من مجرد إنشاء حقول مزروعة وفق نظام الزراعة الأحادية ورصف النباتات فيها على شكل صفوف.. أليس كذلك؟؟

لقد استحقت الطبيعة لقب الأم عن جدارة فهي التي آوتنا، كستنا وأطعمتنا طيلة فترة وجودنا القصيرة نسبياً على سطح الأرض. إلا أننا فقدنا احترامنا للطبيعة، وتجاهلنا ارتباط  جميع الكائنات الحية بعضها ببعض، كما تلاشى إحساسنا بالانسجام مع محيطنا. كل ذلك لأننا رمينا هذه المعتقدات “البدائية” وراءنا وسعينا نحو “التطور” وعشنا وهم “عصر التنوير” عندما استبدلنا احترام الطبيعة بتقديس مبالغ فيه للعقل البشري، وبينما نحن نسجد على مذبح العقلانية فقدنا مكانتنا في العالم. وللأسف منذ أن ترسخت قناعتنا بأن لا شيء أعلى من العقل البشري، أدى تفكيرنا المتعجرف بنا إلى الاعتقاد أننا أقوى وأعلى من الطبيعة وبالتالي فإن حدث وخالفتنا فإننا سوف نجبرها على الرضوخ.

إننا نضحك لقصة الإمبراطور الروماني كاليجولا والذي أعلن نفسه إلهاً وأمر بأن يجلد البحر بالسلاسل بسبب عصيانه لكن ما نقوم به في الوقت الراهن ليس مختلفاً، فتارة نحارب الطبيعة وتارة أخرى نسعى للسيطرة عليها بنفس الأسلوب الذي نحارب به بعضنا وباستخدام نفس الأسلحة الفتاكة. وبالرغم من العبثية المدمرة لحروبنا الكيميائية والبيولوجية والتي أشهرنا أسلحتها في وجه الطبيعة وكائناتها فما زلنا نشنها مع إدراكنا أننا أول ضحاياها وهو ما يدل على قصر نظرنا. لقد آمنا بأن كل ما في الكون يدور حول الجنس البشري.. فاعتبرنا أن من حقنا أن نحاول تحوير وتعديل عمل الطبيعة ليتناسب مع معتقدات عقول مغلقة مملوءة بأفكار خاطئة.

التكنولوجيا الحيوية رسخت في أذهان البشر أن خلاص البشرية يكمن في المحاصيل الزراعية والتي تم تعديلها من خلال هندسة الجينات الوراثية وأنها الوحيدة القادرة على توفير كل احتياجاتنا، وإنقاذ البشرية من الموت جوعاً. وأسوأ من معتنقي هذه الأوهام هم سادتهم من أصحاب الشركات الكبرى والذين ينحصر اهتمامهم بما يدره عليهم هذا الأسلوب المصطنع من الحياة من أرباح وكيفية زيادتها مستقبلاً. أنا لست مجرد ناقد لا يعجبه العجب، بل شخص لديه مؤهلات عالية في مجال العلوم يرى ببساطة أن هذه الادعاءات ليس لها أساس علمي بل  مجرد خرافات ليس لها أي دليل يدعم صحتها تختبئ وراء قناع العلم.

إن ما نمارسه حالياً من أساليب زراعية تقليدية قد أدت إلى تدمير مساحات كبيرة من الأراضي من خلال تآكل التربة، الملوحة، الإفراط في استخدام الأسمدة الكيميائية وتدمير النظم البيئية الداعمة (التي تساعد في جلب المطر على سبيل المثال). إن من يخطو خارج سياق عصرنا الحالي ومجتمعنا سيتضح له وضوح الشمس أننا نسير وبخطى سريعة في طريق مسدود ونتعجل حدوث الكارثة.

هناك طريقة أفضل للقيام بهذا!!

لماذا نستمر في محاولاتنا لإعادة اختراع العجلة بينما هي أمامنا مباشرة.. باستطاعتنا تصميم وبناء نظم بيئية طبيعية تعج بالحياة، وليس هذا فحسب بل وتعتني بنفسها وحدها تماماً كالغابات إلا أن ما تحتويه من أنواع النباتات يكون بحسب اختيارنا.

لماذا تستخدم هذا
إذا كان باستطاعتك استخدام هذا

يتم تصميم النظام حسب قواعد الزراعة الأصيلة التي تقوم على محاكاة الأنظمة الطبيعية، وتطبيقها لإنشاء نظام منتج للغذاء إلى جانب وحدات سكنية تنسجم وتتناغم مع الطبيعة. وبهذا فإن الطبيعة ستقوم بكل العمل بدلاً عنا تماماً كاستخدام دودة الأرض للحفر! هذه هي روح البيرماكلتشر. ما من داع لبذل مجهود كبير في العمل..

 

تتألف الغابة الغذائية عادة من سبع طبقات، والطبقة العليا تكون المظلة. وتتكون طبقة المظلة من الأشجار العالية وهي عادة ما تكون أشجار الفاكهة الكبيرة و أشجار المكسرات. بعد طبقة أشجار المظلة طويلة القامة هناك طبقة من أشجار ذات نمو أقل، عادة أشجار فاكهة أقصر يمكن أن يصل طولها إلى 4 م ، بعد الأشجار الصغيرة تقع الشجيرات وأفضل مثال عليها هو الكشمش  currantsوالتوت. أما المساحة المتبقية فتملأ بالطبقة العشبية، وهي أعشاب الطهي والأعشاب الطبية، ويزرع معها النباتات الخاصة بعلف النحل وعلف الدواجن. وأي مساحة متبقية تملأ بنباتات الغطاء الأرضي والتي تشكل ملش Mulch حي يحمي التربة، ويقلل من فقدان الماء، كما يمنع الأعشاب الضارة من النمو. لا يزال بإمكاننا الذهاب إلى مستوى أعمق من منطقة الجذر، المستوى الموجود تحت الأرض والمملوء بالمحاصيل الجذرية، كالبطاطا والجزر والزنجبيل…الخ، قد يبدو أننا بهذه الطريقة قد كدسنا العديد من الأنواع النباتية في مكان واحد، إلا أنه لا يزال لدينا فراغات أخرى يمكن ملؤها في النطاق العمودي، وهو ما سيتم تعبئته بالنباتات المتسلقة والكروم، والتي يمكن أن تتسلق على التعريشات أو الأسوار أو الأشجار أو أي دعم آخر عمودي. هذه الفئة تتضمن العنب والفاصوليا المتسلقة، وعدة أنواع من التوت، زهرة الآلام passionfruit وفاكهة الكيوي، والبازلاء المتسلقة، والعديد من الأنواع الأخرى المتسلقة.

 في ما يلي سأحاول توضيح بعض المفاهيم الخاطئة حول ماهية الغابة الغذائية:

 • إن أشجار الغابات المزروعة على شكل صفوف ليست بغابة غذائية. إنها بستان فاكهة.

•الأشجار المزروعة على شكل صفوف مع نباتات مزروعة في ظلها ليست كذلك بغابة غذائية، إنها تعتبر بستاناَ أيضاً.

• صفوف من الأشجار مع صفوف من النباتات الأخرى بالتناوب بينهما ليست غابة غذائية، فهي بساتين زراعة بينية.

الغابة الغذائية لا تتضمن بالضرورة الطبقات السبع، إلا أنها تتميز بأنها متعددة الطبقات، بل الأهم من ذلك، أنها تتمتع بنظام بيئي يحقق لها الاكتفاء الذاتي .

من حيث الشكل، ما يميزها عن الحقول الأحادية والثنائية الأبعاد هو أنها عبارة عن هيكل ثلاثي الأبعاد.

من حيث الوظيفة، كونها تشكل نظام حياة بيئي يعطيها خصائص وسمات غير موجودة في الأنظمة الزراعية والعديد من الحدائق.

فيما يلي نستعرض الفوائد التي يحققها نظام الغابة الغذائية:

ارتفاع الانتاجية 

• كثافة زراعية عالية  تضمن عوائد عالية.

• التنوع البيولوجي ويضمن استمرار الامدادات الغذائية على مدار السنة.

الملش الطبيعي، الكومبوست والأسمدة

• تماما مثل الغابات، الغابات الغذائية تتمتع بالقدرة على تكوين الملش وتغطية التربة من تلقاء نفسها وذلك للمساعدة على الاحتفاظ بالرطوبة، وذلك من خلال هذه الكثافة النباتية العالية، وارتفاع حجم الأوراق المتساقطة التي تتراكم وتتعفن مضيفة المواد العضوية للتربة.

•  العديد من الحشرات القادرة على تفكيك المواد العضوية، مثل ديدان الأرض، وقمل الخشب، والدودة الالفية، والتي تساعد  في عملية تكوين السماد الطبيعي.

مقاومة الحشرات بطريقة طبيعية

• لا حاجة لأي نوع من المواد الكيميائية والمبيدات! فالخبراء هم الأقدر على القيام بهذا العمل وبصورة طبيعية، فالغابات الغذائية تستخدم المفترسات الطبيعية للتخلص من الآفات.

• تمتلك الحشرات المفترسة وطنا دائما (نظام بيئي طبيعي)، ومصادر غذاء وفيرة (رحيق الزهور الغنية) في الغابة الغذائية. وتوفر هذا يعني أنها سوف تأتي من تلقاء نفسها! في حين أن بستان الخضروات العادية هو منزل فقط للحشرات الضارة أو الآفات، ولا يوجد مكان للحشرات المفيدة كي تعيش فيه!

• أضف لكل ما سبق أن هذا النظام البيئي الغني يقدرعلى جذب الطيور وغيرها من الحيوانات المفترسة مما يسهم في زيادة مقاومة الآفات الطبيعية.

المرونة من خلال التنوع البيولوجي – القوة في كثرة الأنواع

• في الطبيعة لا تنمو مساحات واسعة من نوع نباتي واحد (أو نباتات في صفوف مرتبة !)، الطبيعة تفضل التنوع البيولوجي، وليس الزراعات الأحادية. خلط أنواع مختلفة من النبات معا يجعلها تنمو على نحو أفضل، الأمر الذي يخلق بيئة طبيعية متعاونة تعود بالفائدة على جميع النباتات وتصبح بالنتيجة أكثر مقاومة للآفات والأمراض، وأكثر إنتاجية (وأكثر جمالاً!).

• استخدام هذا النوع من الزراعة يسمح لنا بإعادة خلق التنوع البيولوجي الموجود في الطبيعة وبالنتيجة الحصول على كل هذه الفوائد.

سهولة إصلاح التربة. Chop n’ drop (اقطع وارمي)

• في الطبيعة، عندما تموت النباتات، فإنها تبقى في مكانها. دون أن يتم أجتثاثها من الجذور. عندما تموت النباتات الحولية لا تقتلعها من الجذور وإنما اقطع ساقها حتى مستوى التربة. فالجذور تتحلل مشكلة الآلاف من القنوات المعقدة للهواء والماء في التربة. أما بقية أجزاء النباتات فعند فرمها ووضعها فوق التربة فإنها تخلق سماداً طبيعياً تماماً مثل سطح الأرض المغطى بالأوراق في الغابات.

• للحفاظ على التربة، عليك بناء طرق تسمح لك بالتجول في حديقتك دون أن تدوس على تربتها، فهذه التربة على قيد الحياة! (انها في الواقع النظام البيئي الأكثر تعقيدا على سطح الأرض). إن السير على أرض حديقتك يضغط التربة ويغلق كل قنوات الهواء والماء مما يصعب وصولها إلى جذور النباتات، الأمر الذي يعوق نمو النباتات.

 عند تطبيق كل هذا …

يصبح لديك غابة غذائية تحاكي غابة حقيقية – لكنها مملوءة بأنواع الأشجار والنباتات حسب رغبتك.

الغابات الحقيقية لا تحتاج إلى أي عمل، فهي تحافظ على نفسها بنفسها – لا مبيدات حشرية، مبيدات أعشاب، أوالتعشيب، محاصيل متناوبة، أوقص أو حفر. الغابات الغذائية لا تحتاج إلى أي من هذا!  مجهود وعمل أقل، والمزيد من الطعام، وكل شيء طبيعي! سيجعلك هذا تتساءل ماذا كنت أفعل من قبل؟

في الختام، إذا نظرنا إلى ما بعد ثقافتنا الحديثة باتجاه أكثر النظم الطبيعية تقدما ووفرة في المحاصيل، سيظهر لنا جلياً أن العمل مع الطبيعة هو المسار الأكثر حكمة والأكثر إنتاجا في مجال خلق نظام مستدام لإنتاج الغذاء.

ترجمة: دانيا عطار

النص الأصلي للمقال هنا

لمزيد من المعلومات حول الكاتب وعمله في مجال الزراعة المدنية والغابات الغذائية يرجى زيارة الموقع

http://deepgreenpermaculture.com/