الغابات الغذائية- الجزء 1 من 2

الغابات هي أحد المفاهيم البديهية بالنسبة لنا جميعاً، هذه المساحات الخضراء التي تعج بالحياة فهي تأوي العديد من الكائنات الحية وتتشابك النباتات فيها مع الأشجار لتغطي كل شبر منها.. إنها بحق منبع الحياة.

لكن ما قد لا يخطر ببال أحدنا هو أنها تحيا وتستمر دون أي حاجة لتدخل البشر، فلم يحدث يوماً أن اضطر أحدهم لسقاية أشجارها، أو اقتلاع الأعشاب الضارة أو حتى رشها بالمبيدات الحشرية وتسميد تربتها بالأسمدة الكيميائية البغيضة. أليس هذا مدهشاً؟؟ والآن تخيل فيما لو أن كل ما تنتجه هذه الغابة.. قابل للأكل!!! هذا هو المبدأ الذي تقوم عليه فكرة الغابة الغذائية. إن فهمنا لكيفية نمو الغابات والطريقة التي تستمر بها دون الحاجة لأي تدخل خارجي يجعلنا قادرين على التعلم من الطبيعة، تقليد وسائلها وأنظمتها، ومن ثم إنشاء وتصميم غاباتنا التي تمتلئ بالأشجار والنباتات المنتجة للمواد الغذائية التي نتناولها. وبذلك نكون قد حصلنا على أكثر النظم المنتجة للغذاء كفاءة فضلاً على أن من يقوم على الاعتناء به وضمان استمراريته هو الطبيعة نفسها.

قد ينتابك شعور بأن هذه الفكرة هي محض خيال أو مجرد فكرة نظرية لا يمكن أن تجد لها تطبيقاً على أرض الواقع، ولكنني أؤكد لك أن الغابات الغذائية هي ليست فقط مفهوماً مثبتاً بل إنها موجودة فعلياً في عدة أنحاء من العالم وقد حققت انتشاراً حتى ضمن المناطق العمرانية ووسط المدن. أنا أعتز بكوني أحد الأشخاص الذين قاموا بتصميم وإقامة هذه الغابات، وسأحاول من خلال هذه المقالة أن أشرح لك أكثر عن كيفية إنشاء هذه الغابات وأبين ما إذا كانت طريقة الزراعة هذه أكثر إنتاجية وأقل تكلفة من الأنظمة الزراعية التقليدية أي باختصار سأساعدك على رسم صورة واضحة عن الغابات الغذائية والإجابة عن ما قد يخطر ببالك من أسئلة.

الغابات هي الحياة

كما قلت سابقاً الغابات هي منبع الحياة وهذه ليست مبالغة إذ أن 50 – 90% من الكائنات الحية التي تعيش على كوكبنا تستوطن الغابات ومن ضمنها النباتات والأشجار التي تعتبر الأصول البرية لمعظم المحاصيل الزراعية. (المصدر: WWF Living Planet Report 2010) ناهيك عن أن الغابات الاستوائية وحدها تعتبر موطن ما يقارب 10 – 50 مليون صنف من الكائنات الحية أي نصف الأنواع الموجودة على الأرض. وتغطي الغابات المطرية 2% من سطح الأرض أي 6% من مساحة اليابسة وبالرغم من التنوع الهائل إلا أن الكائنات الحية قد كونت مجتمعات مترابطة تتعايش مع بعضها في توازن وانسجام منقطع النظير.

طوال العقود الماضية تجاهل البشر كل هذه الحقائق فقاموا بتدمير الغابات وحرقها من أجل بناء مدنهم وحقولهم بدلاً عنها.. ولعل أهم حقيقة تجاهلوها هي أنه إذا كانت معظم أشكال الحياة تستوطن الغابات، فإن أي بيئة ذات مواصفات أقل لا يمكن أن تؤمن متطلبات استمرارية الحياة وتنوعها.

حقائق عن الغابات

بدأ نمو النباتات على الأرض منذ 460 مليون سنة، وظهرت الأشجار منذ 370 مليون عاماً، أي قبل ظهور الإنسان بملايين السنين ( حسب ما بينته الأحافير التي عثر عليها في القارة الإفريقية فإن الإنسان المعاصر قد ظهر على الأرض منذ 195000 سنة خلت) وكانت الغابات فيما مضى تغطي معظم مساحة اليابسة.. أما الآن فهي تغطي 3.9 بليون هكتار أي 29.6% من اليابسة حيث لم يتبق سوى ثلاث غابات عظمى هي غابة الأمازون والغابات الشمالية في كل من روسيا وكندا.. دون أن ننسى أن كل ما نوقده اليوم بجنون من فحم ونفط ما هو إلا غابات قديمة تحللت بقاياها منذ آلاف السنين ( لذا يطلقون على هذا النوع من الوقود اسم الوقود الأحفوري)

ما أريد الوصول إليه من سرد كل هذه الحقائق هو أننا يجب ألا ننسى أن البشر وبالمقارنة مع بقية الكائنات الحية هم الوافدون الجدد على هذا الكوكب إلا أننا نفكر ونتصرف وكأننا نعيش وحدنا متناسين حقيقة أننا نحيا ضمن سلسلة معقدة ومترابطة من الأحياء وأننا نشكل الحلقة الأضعف كوننا نعتمد على غيرنا من الكائنات لنستمر.

 

الغابات.. التصميم المثالي

إذا كنت في صدد تعلم مهارة جديدة فإنك ستحاول أن تتعلم كل قواعدها وتقنياتها وستبذل قصارى جهدك لكي تتقنها وقد تصل إلى مرحلة تجاهد فيها للوصول إلى حد الكمال، ولعل أفضل بداية تبدأ بها هي أن تبحث عن الأشخاص الذين يمارسون هذه المهارة وخاصة أحد المحترفين المعروف بتفوقه وكفاءته العالية فتحاول تقليده والسير على خطاه.

بالعودة إلى موضوعنا فإن أفضل معلم يمكنك أن تتعلم منه أصول وقواعد الزراعة هو الطبيعة نفسها. كيف لا وهي تملك خبرة  460 مليون سنة وهذه النظم الطبيعية شاهدة على إبداع وقدرة (الخالق) في إنشاء نظام بيئي مدهش متوازن لا يضمن نمو وازدهار هذه النظم وحسب بل ويكفل لها أن تستمر باستقلالية ودون أي حاجة لتدخل خارجي.. أليس هذا مدهشاً!! وعلى فكرة هذا النظام الرائع هو الذي تكفل بطعامنا وكسائنا وأمن لنا المأوى طيلة ما يقارب 95% من مدة وجودنا على هذا الكوكب (الزراعة الحديثة فلم تظهر إلا منذ 10.000 سنة فقط) وكل هذا دون الحاجة لأي مصدر للطاقة سوى ما يتولد عن النظام نفسه.. بعد كل هذا هل ما زلت تبحث عن شخص يعلمك الزراعة وتقنياتها؟؟؟

إن نقطة الخلاف الرئيسية بين المجتمعات البشرية الحديثة والمجتمعات البدائية هي أن تلك الأخيرة اعتبرت الطبيعة أماً لها في حين أننا الآن نعتبر أنها وحش بري يحتاج إلى الترويض ويجب السيطرة عليه. وهنا بالضبط تكمن المشكلة.. فبدل أن نحاكي هذا النظام الرائع ونحاول تقليده، قررنا أن نعيد اختراع العجلة!! ولم يكتف البشر بمنافسة الطبيعة بل تضخمت أوهامهم واعتقدوا أنهم قادرون على مضاهاتها بل والتفوق عليها وفي فترة زمنية قصيرة هي السنوات المعدودة لعمر البشر..

 

يتبع في الجزء القادم

لمزيد من المعلومات حول الموضوع يرجى زيارة الموقع http://deepgreenpermaculture.com

مترجم بتصرف- النص الأصلي للمقال هنا

ترجمة دانيا عطار