رسائل من الأردن

مترجم – النص الأصلي هنا

 كل عامين، يقوم مجتمع الزراعة الدائمة العالمي بتنظيم المؤتمر الدولي للزراعة الدائمة، وفي كل مرة يعقد هذا المؤتمر في قارة مختلفة. يتألف المؤتمر من حدثين منفصلين لكل منهما غايته الخاصة: الأول هو الاجتماعات والتي تهدف إلى التعريف بالزراعة الدائمة، حيث تدعى شخصيات هامة من المنطقة ويقدم إليها عروض تقديمية تشرح جوانب من الزراعة الدائمة، وعلى هامش هذه الاجتماعات يتم التشبيك بينهم وبين الرواد في الزراعة الدائمة المتواجدين في المؤتمر. بهذه الطريقة يتم نشر مبادئ الزراعة الدائمة في المنطقة التي يعقد فيها المؤتمر. أما الحدث الثاني فهو الملتقى وهو عبارة عن اجتماعات ودية غير رسمية يلتقي فيها ممارسو الزراعة الدائمة من جميع أنحاء العالم ويتبادلون المعرفة والخبرة، كما يعملون على تطوير استراتيجيات لتسريع انتشار الزراعة الدائمة في جميع أنحاء العالم. كما يقوم المشاركون في هذا الملتقى بالتصويت حول مكان انعقاد المؤتمر التالي.   

عقد المؤتمر الماضي في تشرين الأول/تشرين الثاني 2009 في مدينة ليلونغوي في ملاوي-أفريقيا، وخلال هذا المؤتمر فازت الأردن بامتياز استضافة المؤتمر القادم وهو المؤتمر العاشر، لتكون هذه المرة الأولى التي يعقد فيها مؤتمر الزراعة الدائمة في منطقة الشرق الأوسط   

 ولهذه الغاية يعمل جيف وناديا لوتن حالياً مع معارفهم في الأردن على حشد الدعم لهذا الحدث، وقد كانت جهودهما مثمرة جداً كما سترون! هناك شخصية بارزة جداً في البلد ستساعدنا في خططنا لتنظيم مؤتمر ناجح!   

  الأميرة والزراعة الدائمة   

 الاسم الرسمي للأردن هو المملكة الأردنية الهاشمية، وهي دولة ملكية حسب الدستور. لقد كان كسب دعم العائلة المالكة لمساعينا أحد أهم أهدافنا، حيث أن الحصول على هذا الدعم سوف يساعد كثيراً على تخفيف الإجراءات الروتينية مع الجهات الحكومية التي قد لا تتمكن من فهم أهمية ما نقوم به في هذه البلاد.   

 كانت أفضل وسيلة لنا لكسب الدعم الملكي هو الاتصال مع الأميرة بسمة بنت علي وهي راعية نشطة، بل ومؤسسة، للعديد من البرامج المتعلقة بالبيئة والتنمية المستدامة.   

 إن مقابلة أميرة ليس حدثاً عادياً. كنا هناك أنا وجيف وناديا لوتن من مركز أبحاث الزراعة الدائمة، والسيدة ليزلي بيرن من مؤسسة “الأطفال حلوين” الأمريكية، وطلبنا لقاء مع الأميرة بسمة للتحدث إليها حول المؤتمر العاشر. في البداية حددوا لنا موعداً للقاء مدته ساعة واحدة، لكن الحديث معها كان مثيراً للاهتمام لدرجة أن اللقاء استمر طيلة ثلاث ساعات.   

 في البداية كانت الأميرة متحفظة في حديثها إلينا، وقد أوضحت لنا فيما بعد أن السبب هو هناك العديد من المنظمات الربحية التي تقدم إليها مشاريع تحت غطاء الزراعة العضوية، لكن هذه المشاريع تفشل في تحقيق مهمتها، بل ويتبين فيما بعد أنها كانت مضرة للناس وللبيئة. أعترف أنني شخصياً كنت منبهراً جداً بسماعها وهي تتحدث عن قناعتها الراسخة بأن الزراعة العضوية بالشكل الذي تتم فيه حالياً قاصرة عن تحقيق هدفها لأنها لا تتبنى نظرة شمولية للعالم الطبيعي الذي ترتبط أجزاؤه ببعضها بعلاقات معقدة.   

 لدى الأميرة نشاطات مكثفة في مجال الاستدامة، فقد قامت على سبيل المثال بدعم حملة لإلزام ومساعدة سكان عمان على حصاد مياه الأمطار، وقبل ثلاثة عشر عاماً ابتكرت الأميرة فكرة الحدائق البيئية الملكية والتي تعرض فيها تقنيات للحفاظ على التنوع الحيوي. تمتد الحديقة الملكية البيئية على مساحة 800 كم 2 مطلة على سد الملك طلال، على بعد حوالي 25 كم شمال العاصمة عمان. أوضحت لنا الأميرة أن هذه ليست حديقة بيئية اعتيادية بل يمكن اعتبارها على أنها محطة اختبارية تعليمية لتقنيات حصاد المياه وعرض الأنواع النباتية، مع التركيز على الترشيد الأقصى لاستهلاك الماء، والحفاظ على الأنواع النباتية الأصيلة، بناء التربة، تعزيز الغطاء النباتي واستصلاح الأرض.   

  سأورد فيما يلي مقطعاً من كتاب الحديقة البيئية الملكية الذي قدمته لي الأميرة والذي يعكس رؤيتها للمشروع، هذه الرؤية تتفق إلى حد بعيد مع الزراعة الدائمة ولو أن الأميرة لم تكن على علم بذلك، حتى الآن:   

 الجفاف ليس نتيجة لقلة مياه الأمطار. إن تهيئة الأراضي للزراعة والرعي وأعمال البناء تجعل الأرض غير مهيأة لاستقبال المطر. من أصل كمية المياه المتواجدة في الجو، هناك 15-20% فقط يهطل على شكل مطر وذلك عندما يتكاثف حول جزيئات كبيرة بما يكفي لكي يسقط من الجو. أما ما تبقى من الماء المتكاثف فإن 50% يتبخر ثانية في الجو، 20% ترشحه النباتات لتحول إلى غيوم وذلك عندما يتكاثف حول جزيئات ثقيلة، و15-20% يصل إلى الأرض ليشكل الأنهار والجداول. هذا يعني أن الأشجار تغذي الأنهار بالماء أكثر مما يفعل المطر. 50% على الأقل من الغيوم تتشكل من البخار الذي ترشحه الأشجار.   

 دار نقاش طويل حول المشاريع القائمة في العالم، بما في ذلك مشروع استصلاح الأراضي في النيجر من خلال الإدارة الأهلية والذي يعتبر المشروع الأضخم من نوعه في العالم، بعدها بدأت الأميرة تدرك شيئاً فشيئاً أننا نتفق معها تماماً في جميع هذه المواضيع، وسرعان ما بدأ الحديث يأخذ طابع الانسجام الكامل، وفي نهاية الحديث كانت الأميرة تدرك تماماً مدى اتفاقنا.   

 وهكذا فقد غادرنا الاجتماع وقد كسبنا ليس فقط الرعاية الملكية لمؤتمر عام 2011، بل إن اثنين من مساعدي الأميرة سوف يحضران دورة تصميم الزراعة الدائمة التي سيقيمها جيف في الأردن في تشرين الأول 2010.   

 ربما يتذكر من شاهد فيديو “تخضير الصحراء، الجزء الثاني” محمد العايش، الباحث في المياه والبيئة والذي أمضى وقتاً طويلاً في العمل في مشروع تخضير الصحراء في غور البحر الميت والذي قام جيف لوتن من خلاله بتحويل قطعة أرض بمساحة 40 دونم من صحراء متملحة إلى حديقة غناء في غضون ثلاث سنوات. قام محمد العايش بعمل بحث حول تأثير تطبيق الزراعة الدائمة ما جعله داعماً نشطاً لكل ما يتعلق بالزراعة الدائمة، حتى أنه ألف كتاباً بالعربية حول هذا الموضوع وقام بتوزيعه على المئات من العاملين في مجال الزراعة في الأردن. وعلى الرغم من شخصيته المسالمة إلا أن محمد كان يلح على رئيسه في العمل، مدير المركز الوطني للبحث والإرشاد الزراعي، لعمل كل ما في وسعه من أجل دعم انتشار الزراعة الدائمة في الأردن.   

 بعد أن وصلنا إلى الأردن توجهنا إلى وادي رم، البقعة الصحراوية الرائعة التي تقع جنوب البلاد، وفي هذه الأثناء كان محمد العايش يحاول الاتصال بنا وقد تبين أن مديره هذا كان يرغب بالاجتماع بنا لسبب ما.   

 التقينا بالمدير في عمان لنكتشف أنه علم برغبتنا في إقامة مؤتمر الزراعة الدائمة العاشر في الأردن وكان يريد أن يعرض المساعدة. في الحقيقة كنا سنطلب منه المساعدة لكنه سبقنا بعرضها علينا!   

 تعهد المركز بتنظيم الإقامة لحضور المؤتمر، مع تقديم عدة خيارات بعدة مستويات من السعر، كما تعهد بتنظيم قاعة محاضرات مع كامل التجهيزات التقنية، والأهم من هذا أن المركز سوف يستخدم نفوذه من أجل إعطاء تصاريح الدخول للحضور. هذه الأخيرة تكتسب أهمية كبيرة نظراً لأننا نتوقع مشاركة من أناس من مختلف دول العالم!   

 مواعيد المؤتمر والملتقى:    

  ما نزال في مرحلة وضع الخطط لهذا الحدث، ونرحب باقتراحاتكم، لكن الخطة المبدئية هي كالتالي:   

 المؤتمر سيعقد خلال يوم أو يومين في العاصمة عمان. حيث سيتم عقد حفل الافتتاح يوم الجمعة 17 أيلول 2011 مساء ثم يعقد المؤتمر في اليوم التالي متضمناً عروضاً تقديمية من المحاضرين الرئيسيين مع تركيز خاص على القضايا المتعلقة بالمناطق الجافة. اليوم التالي سيكون رحلة ترفيهية إلى وادي رم الذي يبعد 285 كم جنوباً (حوالي 3.5 ساعة) حيث سيعقد الملتقى، وسنقوم بتأمين الباصات للنقل.   

 الملتقى سيعقد على مدى ثلاثة أيام في أجمل المواقع الصحراوية في العالم، حيث يمكن التخييم في خيم بدوية مع التمتع بإضاءة بالطاقة الشمسية وغيرها من وسائل الراحة.   

 يبعد موقع التخييم في وادي رم مسافة 45 دقيقة عن العقبة، الميناء الوحيد في الأردن، والتي تقع على البحر الأحمر. كما يبعد ساعة ونصف عن مدينة البتراء الشهيرة، وموطن الأنباط الذين كانوا خبراء في حصاد مياه الأمطار.   

  وإلى جانب نشاطات الزراعة الدائمة، فإننا نخطط للاطلاع على الخبرة المحلية التي يحملها البدو حول الأعشاب، الحياكة، صناعة الألبان وغيرها.   

 الأردن يرحب بعالم الزراعة الدائمة:    

 هذه زيارتي الثانية إلى الأردن وقد بدأت، كما جيف، أشعر كأنني في بلدي. الناس هنا شديدو الترحاب (لا أستطيع أن أحصي كم مرة سمعت كلمة أهلاًً بك في الأردن). إنها منطقة عامرة بالتنوع الثقافي والتراث العريق والأهمية التاريخية العظيمة.   

  إننا متحمسون لمتابعة المشوار الذي بدأه جيف وناديا وغيرهم في الأردن وفي الشرق الأوسط. هذه الدول التي تعاني من شح المياه وهي بحاجة ماسة لحلول.     

أنقل لكم عبر هذا المقال ترحيب أهل الأردن الكرماء المضيافين، الذين يرغبون بأن يكونوا جزءاً من الجهود الموجهة لتقديم الحلول إلى المنطقة.

 

ترجمة: ناديا عطار